رئيس التحرير
ads

د. محمد سليم يكتب ..مشهد الطاقة في مصر: تحديات الحاضر وفرص المستقبل

السبت 14-09-2024 16:56

 

الدور الرئيسي في بناء الاقتصاد وتحقيق التنمية المستدامة، فالكهرباء تعتبر قاطرة التنمية الصناعية ولا غنى عنها في أي قطاع من قطاعات الاقتصاد، إلا أن مصر تواجه حاليًا تحديًا استراتيجيًا يتمثل في كيفية تحقيق التوازن بين تصدير البترول والغاز للحصول على العملة الصعبة وبين استخدام هذه الموارد محليًا لتلبية الطلب المتزايد، فضلًا عن الضغط المالي المتمثل في ضرورة شراء حصة الشريك الأجنبي في مشاريع الطاقة، وبما اننا وصلنا لاستيراد كميات من الغاز المسال تحسبا لاحمال الصيف القادم ، فيزداد الضغط على متخذ القرار بوضع التدابير اللازمة لمواجة المخاطر المتوقعة ، وهكذا يزداد هذا التحدي تعقيدًا مع خطر نضوب الوقود الأحفوري واحتمالية نفاد المخزون المتاح قريبا وليس فقط للأجيال القادمة.

أزمة الطاقة في 2013:

في عام 2013، واجهت مصر أزمة طاقة حادة هددت بإبطاء عجلة النمو الصناعي وشل الاقتصاد، ومع ذلك، استجابت الحكومة بسرعة عبر تنفيذ مشاريع متعددة لتوليد الكهرباء وتوسيع شبكات الكهرباء لحل الأزمة، وقد أثمرت هذه الإجراءات في استقرار الوضع ولكن بالاعتماد الرئيسى على الوقود الغازى من خليط الوقود المتاح وصل الى 87 % بينما فقط 13 % على الطاقة المتجددة من مصادر المياه والشمس والرياح، وخرجت مصر من الأزمة بقدرة أكبر على تلبية احتياجاتها من الكهرباء ومن خلال بنية تحتية أكثر قوة.

في ذلك الوقت، تمت إضافة سعات كبيرة في محطات التوليد التقليدية، لتصل السعة المركبة في مصر إلى 59 جيجاوات بحلول عام 2023. وقد ساعد هذا التوسع في تحسين استقرار الكهرباء، ولكن مع ذلك، استمر الاعتماد الكبير على الغاز الطبيعي في توليد الطاقة ولم يتحقق الهدف الاستراتيجى بتحقيق 20 % من الطاقة المتجددة عام 2022 ولاسباب كثيرة ليس مكانها فى هذا المقال.

التحول في 2024: استيراد الغاز المسال في ظل انخفاض الإنتاج المحلي:

بحلول عام 2024، تجد مصر نفسها أمام أزمة طاقة جديدة، ولكن في ظل ظروف مختلفة تمامًا، فإنتاج الغاز المحلي انخفض بشكل كبير، مما اضطر البلاد إلى استيراد الغاز الطبيعي المسال (LNG) لتلبية احتياجات السوق المحلي، واليوم تقف مصر على مفترق طرق: هل ستستمر في الاعتماد على الوقود الأحفوري، مع ما يحمله من مخاطر نضوب الموارد والاعتماد على الاستيراد فى ظل شح العملة الصعبة ، أم أنها ستتبنى نموذجًا جديدًا للطاقة يعتمد على المصادر المتجددة وبرامج كفاءة الطاقة؟

الطاقة المتجددة: تقدم لكن غير كافٍ:

رغم التطورات في مجال الطاقة المتجددة، فإن السعة المركبة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لا تزال متواضعة مقارنة بالاحتياجات الوطنية، حتى عام 2023 وطبقا الى تقرير الشركة القابضة لكهرباء مصر فان الطاقة المنتجة من مجمل الطاقات المتجددة شاملا الطاقة الهيدرومائية لم تتجاوز ال 13 % رغم ان الوزارة وضعت فى عام 2015 هدف تحقيق 20 % بعام 2022. وكذلك تم توسيع الهدف الاستراتيجى ليصبح 42 % عام 2030 وهو مايلزمه من اجراءات واستثمارات كبيرة . كما أن الاستثمار في تخزين الطاقة من خلال أنظمة بطاريات تخزين الطاقة (BESS) لا يزال في مراحله الأولى وقد شهدت حديثا بعض التعاقدات مشتملة على طاقة التخزين 0 على الرغم من أن هذه التكنولوجيا قد تمثل الحل الأمثل لمواجهة تقلبات مصادر الطاقة المتجددة.

الطاقة المتجددة: دور وحدات الطاقة الشمسية الصغيرة:

رغم التوجه نحو إنشاء محطات طاقة شمسية ذات سعات جيجاوات، يجب أن لا يقتصر الاهتمام فقط على المشاريع الكبرى. فهناك أهمية كبيرة لوحدات الطاقة الشمسية المثبتة على أسطح المباني وكذلك المستخدمة على طلمبات الري، نظرا لان هذه الوحدات يمكنها أن توفر قدرًا كبيرًا من الطاقة على المستوى الفردي والمجتمعي، واثبتنا فى مقالات سابقة ان وحدة الطاقة الشمسية لدى العميل النهائي قادرة على توفير ما يصل إلى ثلاثة أضعاف الطاقة مقارنةً بالغاز الطبيعي الوارد والمستخدم في محطات توليد الكهرباء التقليدية الحرارية.

ويُعد هذا التوجه أكثر كفاءة في استخدام الطاقة، حيث يقلل من الفاقد المرتبط بتحويل الطاقة عبر محطات الكهرباء ونقلها عبر الشبكات الطويلة، بالإضافة إلى ذلك، يمكن لتوسيع استخدام وحدات الطاقة الشمسية على مستوى الأفراد والمزارعين أن يخفف من الضغط على الشبكة الوطنية ويساهم في توفير الاستثمارات فى البنية التحتية وتحسين كفاءة استهلاك الطاقة في القطاعات المختلفة.

كفاءة الطاقة: أكثر توفيرًا من الإنتاج:

من أبرز الإنجازات في مجال كفاءة الطاقة كان تركيب أكثر من 600 مليون لمبة LED لتقليل استهلاك الكهرباء في المنازل والشركات على الرغم من تأثير معامل القدرة والذي يقل عن 0.9 والذي يؤدى الى زيادة الاستهلاك دون المحاسبة عليه، ومع ذلك، هناك تساؤل كبير حول لماذا لا تعظم مصر برامج كفاءة الطاقة بالشكل الذي يناسب حجم التحديات الحالية ليس فقط فى الانارة الداخلية والخارجية لكن ايضا فى مجالات اخرى؟

وحيث ان برامج كفاءة الطاقة لا تُعتبر فقط مكملة لجهود إنتاج الطاقة المتجددة، بل إنها توفر موارد أكثر من تلك المستمدة من الإنتاج نفسه ، وكان لتا تجربة فى مبنى وزارة الكهرباء بعمل مقارنة بين الوفر من استخدام الليد مقابل الوفر من انتاج الطاقة من وحدات الخلايا الشمسية ، وتبني ممارسات استهلاك واعية، يمكن لمصر أن تحقق وفورات ضخمة دون الحاجة إلى التوسع في إنتاج الكهرباء.

وهناك عدة عوامل وراء عدم التركيز على برامج كفاءة الطاقة خلال الفترة الماضية:

توافر الغاز الطبيعي الرخيص: تعتمد مصر بشكل كبير على الغاز الطبيعي المحلي المدعوم، مما يجعل تكلفة الكهرباء منخفضة نسبيًا بالنسبة للمستهلكين، وبالتالي يقلل الحافز لاعتماد حلول أكثر كفاءة للطاقة.

الاهتمام بالطاقة التوسعية: في ظل التركيز على إضافة قدرات توليد جديدة سواء تقليدية أو متجددة، قد تم تأخير إعطاء الأولوية لتبني استراتيجيات كفاءة الطاقة.

ضعف التوعية والدعم الفني: على الرغم من وجود برامج توعية، فإن تأثيرها محدود ولا يزال هناك حاجة لدعم أعمق من قبل الحكومة لزيادة الوعي بأهمية تقنيات كفاءة الطاقة.

موازنة الاحتياجات المحلية مع أولويات التصدير:

هنا يبرز التساؤل الكبير: لربما فى فترة سابقة كان التساؤل :هل ينبغي لمصر أن تعطي الأولوية لتصدير البترول والغاز، بما يوفره من عملة صعبة تساهم في الاقتصاد الوطني، أم يجب أن تركز على استخدام هذه الموارد محليًا لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة؟ ويعيد هذا التحدي إحياء أزمات سابقة، ولكن بعد ان شهدت مصر استيراد كميات من شحنات الغاز المسال ، فلم يعد للتساؤل مكان لارتفاع درجة الخطورة من نقص الغاز ويجب البحث والتنقيب وتنمية الابار باسرع مايمكن وضبط خليط الوقود الذى يعتمد علية قطاع الطاقة المصرى .

هل يعيد التاريخ نفسه؟

يبقى السؤال: هل يعيد التاريخ نفسه بحيث تتحكم قوى السوق في توجيه متخذ القرار نحو سلعة معينة؟ أم أن هذه الأزمة تمثل فصلاً جديدًا في قصة الطاقة المصرية؟ الدروس المستفادة من عام 2013 واضحة: الاستثمار في البنية التحتية يمكن أن يحل الأزمات على المدى القصير. ولكن التركيز الحالي يجب أن يكون على تطوير حلول طويلة الأجل ومستدامة مثل مشاريع الطاقة الشمسية وتقنيات التخزين على مستوى التجمعات السكنية والمحطات الكبيرة وايضا برامج كفاءة الطاقة، والذي من المتوقع ان نراه فى استراتيجية شاملة وطويلة المدى تضمن مستقبل الطاقة في مصر.

تحرير سوق الكهرباء والغاز في مصر:

على الرغم من صدرور قانون الكهرباء عام 2015 وكذلك قانون الغاز فى 2017 بحيث تتجه مصر نحو تحرير سوق الكهرباء والغاز بهدف خلق بيئة تنافسية تسمح بتحسين الكفاءة وتخفيض الأسعار، مما يعود بالنفع على المستهلكين، الا انه حتى الان تعتمد مصر على التعاقدات المباشرة مع لاعبين اساسيين فى انشاء المحطات الكبرى من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وكذلك الاستيراد للغاز المسال وباسعار تزيد عن خمس اضعاف الغاز فى الانابيب والذي يعتبر مصدره دولة الجوار، ولا ادرى هل عن عمد او تجاهل عدم ربط خطوط الغاز مع الجار العربى ليبيا والتى تقوم ايضا بتصدير الغاز الى اوروبا.

وقد تم تطبيق مجموعة من الإصلاحات الرامية إلى إنهاء الاحتكار الحكومي وفتح السوق للمنافسين الجدد في سوق الكهرباء على مستو التوزيع والانتاج الا ان التعاقدات الحالية الكبرى ستكبل مشغل الشبكة بالتزانات تؤثر على اداؤه عند تحرير السوق.

هذه الخطوات تمثل بداية عصر جديد في تاريخ الطاقة في مصر، حيث أن تحرير السوق يسهم في تحقيق مزيد من الشفافية ويعزز من الثقة بين المستثمرين، وهو ما يمكن أن يعزز من الاستثمارات في هذا القطاع الحيوي.

الخاتمة:

يقف قطاع الطاقة في مصر عند نقطة تحول حاسمة، وعلى صناع القرار اتخاذ قرارات مستنيرة تحقق التوازن بين الاحتياجات الفورية والاستدامة على المدى البعيد، مع تناقص موارد الوقود الأحفوري وزيادة الطلب على الطاقة، قد يكون التحول نحو تحرير سوق الطاقة بجناحيه الكهرباء والبترول والاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، وخاصة الطاقة الشمسية وتطبيقات برامج تحسين كفاءة الطاقة، هي الحلول لضمان مستقبل مصر من الطاقة ومن خلال التعلم من تجارب الماضي واحتضان التقنيات الجديدة، وبالتالى يمكن لمصر أن تتجاوز أزمتها الحالية وتبني مستقبلًا أكثر مرونة واستدامة في مجال الطاقة.

د.م. محمد سليم سالمان

استشارى الطاقة المتجددة

عضو اللجنة العليا لكفاءة الطاقة

ads

اضف تعليق