رحلة تجارة الغاز بين مصر وإسرائيل
الأربعاء 06-09-2023 00:56
محطات تاريخية منذ بداية التصدير في 2001 حتي تصاعد الواردات الي اقصي معدلاتها
مصر صدرت 3.8 مليار متر مكعب من الغاز المسال خلال الربع الاول من 2023
زيادة الغاز الاسرائيلي إلى مصر من حقل تمار البحري بمقدار 38.7 مليار متر مكعب لمدة 11 عامًا
مرت تجارة الغاز بين مصر وإسرائيل بعدة مراحل .. منذ بداية التصدير التي اثارت جدلا في المجتمع المصري والتي توقفت قبل ان تبدأ 2001 ،وصولا الي مرحلة الاستيراد الممتدة منذ التحضير لها في عام (2014) مرورًا ببدء التنفيذ عام (2020) وحتى تصاعد الواردات إلى الآن.. ومرتهذه الرحلة الطويلة بمحطات تاريخية نرصدها بالتفصيل ..
من هنا كانت بداية ..
بدأت أولى محطات تجارة الغاز بين مصر وإسرائيل في يناير 2001، في صورة تعاقد بين شركة الكهرباء الإسرائيلية المملوكة للحكومة “إلكتريككورب“، وشركة غاز شرق البحر المتوسط “إي إم جي“.
وكان الاتفاق ينص على أن تُورّد شركة البحر المتوسط للغاز “إي إم جي” 7 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويًا إلى شركة الكهرباءالإسرائيلية لمدة 15 عامًا، لكن التوريد لم يتم حتى عام 2005 لخلافات حول التسعير ..
وكانت الهيئة المصرية العامة للبترول قد حصلت على موافقة مجلس الوزراء المصري في (18 سبتمبر 2000)، لبيع 7 مليارات متر مكعب من الغازسنويًا إلى شركة غاز شرق البحر المتوسط لمدة 15 عامًا، بهدف تصديره إلى دول شرق البحر المتوسط بسعر ثابت يتراوح بين 0.75 و1.25 دولارًالكل مليون وحدة حرارية بريطانية.
وتضمّن قرار مجلس الوزراء –وقتها – منح الإذن لشركة “إي إم جي” بتنفيذ خط نقل الغاز إلى إسرائيل، المعروف بخط أنابيب عسقلان–العريش،وهو الخط نفسه، الذي تمر منه واردات مصر من الغاز الإسرائيلي –حاليًا– إلى جانب خط أنابيب الغاز العربي البري الذي اُعتمد عليه –أيضًا– بدءًامن مارس2023.
ويمتد خط عسقلان–العريش على طول 89 كيلومترًا، ويبدأ من مدينة العريش المصرية وينتهي إلى مدينة عسقلان، ويبلغ قطره قرابة 36 بوصة بسعةنقل تصل إلى 7 مليارات متر مكعب سنويًا.
نزاع قضائي
في 30 يونيو 2005، وقّعت الشركة المصرية القابضة للغاز اتفاقًا جديدًا مع شركة غاز شرق البحر المتوسط “إي إم جي“، لتصدير 1.7 مليار مترمكعب من الغاز سنويًا إلى إسرائيل ولمدة 20 عامًا.
وقُوبلت هذه الاتفاقية بموجة احتجاجات شعبية واسعة تطورت إلى نزاع قضائي في المحاكم المصرية، إلا أن الاتفاقية نُفّذت وبدأ ضخ الغاز المصريإلى إسرائيل عبر خط عسقلان–العريش في 2008.
وجاء ذلك بالتزامن مع دخول الحكومة المصرية في تفاوض مع الجانب الإسرائيلي حول تعديل الاتفاقية وتحسين السعر الذي تعرّض لانتقادات حادة،بسبب انخفاضه عن الأسعار العالمية المقارنة في حينها
ووقع الطرفان تعديل الاتفاقية في 31 مايو 2009، ليصبح سعر الغاز 3 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية مع تطبيقه بأثر رجعي منذ بدءضخ الغاز إلى الجانب الإسرائيلي، وفقًا لنص الاتفاق المعدل الذي اطلعت عليه وحدة أبحاث الطاقة.
ومع أحداث ثورة يناير 2011، تعرّض خط عسقلان–العريش، لسلسلة من الهجمات المسلحة أدت إلى تفجيره أكثر من 14 مرة على مدار عام ونصفالعام، ما أثر في إمداداته بصورة كبيرة.
وأسهم زخم الثورة في صعود ملفات تصدير الغاز المصري إلى المشهد مجددًا، ما دفع رئيس الوزراء المصري –آنذاك– عصام شرف في 13 أبريل2011 إلى طلب مراجعة كل عقود تصدير الغاز المصري مع الخارج، بما في ذلك إسرائيل والأردن.
ثورة يناير
أعلنت الشركة المصرية القابضة للغاز بعدها بعام (19 أبريل2012)، إلغاء اتفاق تصدير الغاز مع إسرائيل، ما أدى إلى نشوب نزاع تحكيم دوليرفعته تل أبيب ضد القاهرة للحصول على تعويضات نتيجة أضرار ادعتها من فسخ التعاقد المصري من جانب واحد.
وفي يونيو2012، أصدرت محكمة مصرية حكمًا جديدًا بحبس وزير البترول المصري السابق سامح فهمي، ورجل الأعمال المصري الراحل حسينسالم، بالسجن 15 عامًا في قضية تصدير الغاز إلى إسرائيل.
وعللت المحكمة حكمها بتورط الشخصين في تصدير الغاز المصري بأسعار بخسة كبدت الدولة خسائر بقيمة 715 مليون دولار، إلا أن أحكامًا أخرىصدرت بتبرئتهما وآخرين بعدها بـ4 سنوات، وفقًا لنص حكم محكمة النقض المصرية (27 أكتوبر 2016)
في 8 ديسمبر 2015، حصلت شركة الكهرباء الحكومية الإسرائيلية على حكم تحكيم دولي يلزم الهيئة العامة المصرية للبترول والشركة المصريةالقابضة للغازات الطبيعية (إيغاس) بدفع تعويض قيمته 1.76 مليار دولار بسبب قرارها وقف إمدادات الغاز الطبيعي
وفي 17 يونيو 2019، توصل الجانب المصري إلى تسوية مع شركة الكهرباء الإسرائيلية، تدفع مصر بموجبها نصف مليار دولار فقط على أقساطلمدة 8 أعوام ونصف العام.
بهذه التسوية سالفة الذكر أُغلقت قصة تصدير الغاز المصري إلى إسرائيل نهائيًا بعد عقدين من الجدل والنزاعات المحلية والدولية، لتبدأ قصة أخرىعكسية تمامًا، بشأن واردات مصر من الغاز الإسرائيلي هذه المرة.
وبدأت إرهاصات هذه القصة عام 2014، في إطار خطط إستراتيجية طموحة تستهدف انتقال مصر من مجرد أحد مصدري الغاز إلى أوروبا، إلىمركز إقليمي لاستقبال غاز دول شرق البحر المتوسط وإسالته وإعادة تصديره إلى أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط.
في مطلع 2020، بدأت واردات مصر من الغاز الإسرائيلي فعليًا، مع خطط لتعزيزها على المدى الطويل، كان آخرها التصريحات الإسرائيلية (23 أغسطس2023) المبشرة بصفقة جديدة لزيادة تصدير الغاز للقاهرة بجانب الاتفاق السابق.
وقال وزير الطاقة الإسرائيلي يسرائيل كاتس، إن بلاده ستزيد صادراتها إلى مصر من حقل تمار البحري بمقدار 38.7 مليار متر مكعب إضافيةلمدة 11 عامًا
وكانت الحكومة الاسرائيلية قد وافقت في مايو 2023 على خطة توسعة شبكة خطوط الأنابيب الإسرائيلية لزيادة صادراتها إلى مصر في اطارمذكرة التفاهم الثلاثية الموقعة مع الاتحاد الأوروبي لتصدير الغاز المسال إليه من مصر وإسرائيل (15 يونيو2022).
وتعتمد خطة الحكومة المصرية على توجيه واردات مصر من الغاز الإسرائيلي إلى مجمعين للإسالة وصناعة البتروكيماويات، أحدهما في دمياطوالآخر في مدينة إدكو بمحافظة البحيرة.
وتُعد مصر الدولة الوحيدة التي تمتلك محطات إسالة في منطقة شرق البحر المتوسط، إذ تمتلك محطات إسالة الغاز في دمياط وإدكو بقدرات إسالةتصل إلى 12 مليون طن سنويًا (16.32 مليار متر مكعب).
وتكتمل الخطة بتصدير الغاز المسال إلى أوروبا عبر خط أنابيب الغاز الذي يمر من قبرص، كما تخطط لتصديره إلى أفريقيا والشرق الأوسط لاحقًا،ما يوفر لمصر عائدات كبيرة من تجارة الغاز الإقليمية والدولية المراهن عليها لتوفير النقد الأجنبي، بالتزامن مع ظروف اقتصادية صعبة تمر بها البلادولا يُتوقع زوالها في سنوات قليلة.
وبلغت صادرات مصر من الغاز المسال 8.9 مليار متر مكعب في عام 2022، مقابل 9 مليارات متر مكعب عام 2021، وارتفاعًا من 1.8 مليار مترمكعب فقط عام 2020، مع استحواذ أوروبا على غالبية الصادرات، وفق بيانات معهد الطاقة البريطاني.
بينما تشير بيانات مبادرة المنظمات المشتركة “جودي” إلى أن مصر صدرت 3.8 مليار متر مكعب من الغاز المسال خلال أول 4 أشهر من 2023،وفق آخر البيانات المتاحة، خاصة أن القاهرة قررت وقف التصدير بسبب زيادة الطلب المحلي مع ارتفاع درجات الحرارة، وهو ما تسبب في أزمةانقطاع التيار الكهربائي.