د. محمد سليم يكتب ..بنبان: مشروع طموح وأعباء طويلة الأمد على الاقتصاد المصري
السبت 23-11-2024 10:22
شهدت مصر خلال السنوات الماضية إنجازًا بارزًا في مجال الطاقة المتجددة، كان مشروع بنبان للطاقة الشمسية أحد أهم أركانه، ويُعد المشروع من أكبر مشاريع الطاقة النظيفة على مستوى العالم ويمثل علامة مضيئة في مسيرة التحول نحو استخدام مصادر الطاقة المستدامة، ورغم النجاح الذى حققه المشروع، إلا أن هناك تحديات مالية واقتصادية ظهرت على مدار السنوات الماضية، تتطلب الوقوف عندها بعناية لضمان استفادة مستدامة من هذا المشروع الطموح.
مشروع بنبان كان حجر الزاوية في استقطاب استثمارات دولية إلى قطاع الطاقة المتجددة في مصر، مع توقيع عقود شراء طويلة الأجل بأسعار محددة مسبقًا ومرتبطة بالدولار الأمريكي، ولقد كانت التعريفات الممنوحة للمستثمرين بمثابة حافز قوي لجذب الاستثمار على حساب التعريفة المقدمة للمشتركين المحليين او سعربيع الطاقة الكهربائية، ولكن التقلبات الاقتصادية العالمية، وتحديدًا تغيرات سعر الصرف، أضافت أعباء مالية كبيرة على قطاع الكهرباء، مما أدى إلى زيادة الفجوة بين تكلفة شراء الكهرباء وعائدات بيعها، وهو ما يشكل تحديًا أمام تحقيق التوازن المالي لمرفق الكهرباء.
من جانب آخر، لم تُأخذ احتياجات الشبكة من الطاقة غير الفعالة (Reactive Power) بعين الاعتبار عند التخطيط للمشروع، ومع تركيز المحطات الشمسية على إنتاج الطاقة الفعالة فقط (Active Power)، أصبحت المحطات التقليدية مطالبة بتعويض هذا النقص، ما أدى إلى أعباء إضافية على تشغيل المحطات الأخرى وشبكة الكهرباء بشكل عام.
ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن مشروع بنبان ساهم في تعزيز مكانة مصر كوجهة جاذبة للاستثمارات في مجال الطاقة المتجددة، وحقق نتائج إيجابية على الصعيدين البيئي والتنموي، لكن لتحقيق الاستدامة، يجب أن يكون هناك تقييم مستمر للسياسات المرتبطة بمثل هذه المشاريع، لضمان أن التحديات الاقتصادية لا تعيق الاستفادة من مكاسبها طويلة الأجل.
لذا، فإن الاستفادة الكاملة من مشروع بحجم بنبان تتطلب خطوات تصحيحية مدروسة، مثل مراجعة العقود مع المستثمرين،حتى يمكن أن تساعد في تخفيف الأعباء المالية على قطاع الكهرباء وضمان الاستدامة المالية وتخفيف العبئ المالى لهذا المشروع الطموح في خدمة الاقتصاد المصري.
مشروع بنبان يمثل تجربة فريدة ودرسًا هامًا، ليس فقط في إدارة المشاريع الكبرى، ولكن أيضًا في كيفية الموازنة بين جذب الاستثمارات الدولية وحماية الاقتصاد الوطني من المخاطر طويلة الأمد.
هذه الدراسة تقدم ارقام تقديرية لعدم توفر الارقام الحقيقية ولكنها دراسة استرشادية ولن تبتعد كثيرا عن الواقع المؤلم الذى تعيشه وزارة الكهرباء وستزداد الفجوة الكارثية بين تكلفة الشراء وسعر البيع كلما زاد سعر الصرف
تعريفة الشراء وعبء التكلفة
المرحلة الأولى: 14.3 سنت/ك.و.س (عدد 2 مشروع بقدرة اجمالية 100 ميجاوات)
المرحلة الثانية: 8.4 سنت/ك.و.س (عدد 30 مشروع بقدرة اجمالية 1360 ميجاوات)
هذه التعريفة ستظل سارية لمدة 25 عاما ، مما يعتبرتكلفة طويلة الأجل لا تتناسب مع تطور السوق.
مقارنة بسعر البيع للمستهلكين:
أسعار بيع الكهرباء للمستهلكين (في القطاع المنزلى لاعلى شريحة) أقل من سعر الشراء ويزداد كلما تغير سعر الصرف، ويبين الرسم البيانى القيمة المقابلة للتعريفة بالمرحلة الاولى والمرحلة الثانية مقارنة بتعريفة الكهرباء لاعلى شريحة .
العبئ المالي: الأرقام لا تكذب
العبئ المالى على وزارة الكهرباء من مشروع بنبان وهو الفرق بين قيمة شراء الطاقة من المستثمرين وقيمة بيع الطاقة للمشتركين على اعلى شريحة للقطاع المنزلى
ضرورة وضع حل قبل اى تغيير لسعر الصرف الفترة القادمة حيث ان السعر الحالى يكلف وزارة الكهرباء خسارة تصل الى 5 مليار جنيه سنويا على الرغم من زيادة تعريفة الكهرباء الاخيرة ،
جدول سعر الصرف وقيمة اعلى شريحة للاستهلاك المنزلى طبقا لما ورد فى موقع جهاز تنظيم المرفق وبيانات البنك المركزى
تم افتراض ساعات الشمس الفاعلة Effective Sun Hours بعدد 4.8 ساعة وعدد ايام السنة 360 يوما
يبين الجدول التالى والرسم البيانى حجم العبئ المالى الذى تتحمله وزارة الكهرباء متمثلة فى شركاتها
تأثير تغير سعر الصرف
عقود الشراء موقعة بالدولار، ومع تراجع قيمة الجنيه المصري أمام الدولار، ترتفع تكلفة شراء الكهرباء بشكل كبير على وزارة الكهرباء التي تحصل على إيراداتها بالجنيه المصرى ، ونتيجة لذلك، تتحمل الوزارة ديونًا متزايدة، مما يضع عبئًا إضافيًا على موازنة الدولة و يضطر الوزارة الى رفع أسعار الكهرباء على المشتركين.
التأثير على الاقتصاد الوطني
ارتفاع تكلفة الكهرباء:
مع مرور الوقت، يتم رفع أسعار الكهرباء على المستهلكين النهائيين لتعويض الخسائر، مما يضر بالقدرة الشرائية ويزيد من الأعباء على المواطنين والصناعات.
إضعاف تنافسية الاقتصاد:
ارتفاع تكلفة الطاقة يرفع من تكلفة الإنتاج الصناعي، ما يقلل من تنافسية المنتجات المصرية في الأسواق المحلية والعالمية.
مشكلة الطاقة غير الفعالة كيلو فار ساعة kVARh
محطات الطاقة الشمسية، بطبيعتها، تنتج فقط الطاقة الفعالة (Active Power) بالكيلو وات ساعة (kWh) دون توفير الطاقة غير الفعالة المطلوبة للحفاظ على استقرار الفولتية في الشبكة.
زيادة العبء على المحطات التقليدية:
المحطات التقليدية تُضطر لتعويض النقص في الطاقة غير الفعالة، مما يزيد من استهلاك الوقود ويرفع التكلفة التشغيلية وزيادة انبعاثات الكربون ، مما يُضعف الأهداف البيئية للمشروع.
ضعف استقرار الشبكة:
عدم توفير الطاقة غير الفعالة بشكل كافٍ قد يؤدي إلى تذبذب الجهد (Voltage Fluctuations)، مما يؤثر سلبًا على أداء الشبكة الكهربائية بالكامل.
مسؤولية المستثمرين في تعويض الطاقة غير الفعالة
في العقود الحالية، يلتزم المستثمر بتوريد الطاقة الفعالة فقط (Active Power) ولا يتحمل مسؤولية توفير الطاقة غير الفعالة، مما يعني تحميل الدولة أو شركات الكهرباء أعباء إضافية ولا يراعى التأثير السلبى على المحطات التقليدية.
ويبقى السؤال: هل تُدرك الدولة حجم المشكلة وتتحرك لتخفيف الأعباء، أم أننا سنظل ندفع ثمن هذه القرارات حتى عام 2042؟
الحلول الممكنة لتخفيف العبء
رغم تعقيد الوضع، يمكن اتخاذ خطوات لتخفيف الأعباء:
إعادة التفاوض مع المستثمرين:
التفاوض مع المستثمرين للوصول الى حل مناسب وعادل يضمن للمستثمر حقوقه ويقلل العبئ المالى عن مرفق الكهرباء
تعويض نقص الطاقة غير الفعالة
تطوير السياسات المستقبلية:
وضع سياسات تضمن توازن تكلفة الشراء مع أسعار البيع للمستهلكين.
ربط الأسعار بسعر الصرف:
تصميم صيغة تعاقدية تتيح تخفيف العبء الناتج عن تقلبات سعر الصرف، مثل دفع جزء من التكلفة بالجنيه المصري.
تعزيز التصنيع المحلي:
تشجيع إنشاء مصانع لإنتاج مكونات أنظمة الطاقة الشمسية محليًا لتقليل الاعتماد على الاستيراد وتقوية الاقتصاد المحلي.
تطوير استراتيجيات لتخزين الطاقة:
الاستثمار في تقنيات التخزين لضمان الاستفادة القصوى من الطاقة المنتجة وتقليل الاعتماد على الشبكة الرئيسية.
تفعيل نظام الطاقة اللامركزية:
تشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، مثل تركيب أنظمة شمسية على المنازل والمزارع، لتخفيف الضغط على الشبكة الوطنية.
الخلاصة
التعريفة المرتفعة المرتبطة بمشروع بنبان والطويلة الأجل تمثل عبئًا على الوزارة والاقتصاد الوطني، خصوصًا مع تذبذب سعر الصرف ويحتاج الأمر إلى تدخل عاجل قبل اى تغيير فى سعر الصرف مستقبلا، إن العقود طويلة الأجل التي تمتد حتى 2042 بعملة أجنبية تجعل الاقتصاد المصري رهينة لتقلبات السوق العالمية، وكل زيادة في سعر الدولار تُثقل كاهل الدولة بأعباء إضافية.
الأزمة تتجاوز الأرقام؛ إنها انعكاس لاخفاق متخذ القرار – رغم التنويه فى حينه لمراجعة التعريفة قبل الاعلان عنها – في تحقيق توازن بين دعم الاستثمار في الطاقة المتجددة والحفاظ على التكاليف العادلة لتسعير وحدة انتاج الطاقة حيث كان يمكن للمشروع أن يكون نموذجًا ناجحًا لو تمت مراعاة اعتبارات السوق المحلية عند صياغة العقود.
اليوم، تجد مصر نفسها في مأزق حقيقي، فمن جهة، لا يمكن التراجع عن التزاماتها تجاه المستثمرين، ومن جهة أخرى، يُعاني الاقتصاد من نزيف مستمر نتيجة لهذه الالتزامات، ربما يكون الحل في إعادة التفاوض مع المستثمرين للوصول الى حل عادل يضمن حقوق الطرفين ويتناسب مع الأوضاع الاقتصادية الحالية، لكن تظل الحقيقة واحدة: مشروع بنبان الذي كان حلمًا بالطاقة النظيفة، أصبح درسًا قاسيًا في غياب التخطيط الاقتصادي السليم.
ويبقى السؤال: هل سنستفيد من هذا الدرس لتجنب تكرار الأخطاء، أم أن بنبان سيظل مثالًا على الفرص الضائعة التي تحولت إلى أعباء لا تنتهي؟
وان لم نضع حلا عاجلا ومع مرور السنوات ، سيظل مشروع بنبان مثار جدل، حيث يُسجل كواحد من أكبر المشروعات التي وضعت الدولة في موقف صعب اقتصاديًا، فليس كل ما يلمع ذهبا.
د.م. محمد سليم سالمان
رئيس قطاع المراقبة المركزية للاداء
بالقابضة لكهرباء مصر سابقا